يقول أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ في مرتكب الكبيرة: لا ننفي عنه اسم الإسلام بالكلية لكن تسلب عنه أسماء المدح، فشارب الخمر لا نقول: إنه من المحسنين ومن المقربين، ولكن يستحق أن يقَالَ: إنه فاسق وعاصي وفاجر وغيرها من أسماء الوعيد، فتسلب عنه أسماء المدح، ولا يطلق عليه اسم الكفر أبداً، والخوارج لهم شبهات لعل تفصيلها سيأتي إن شاء الله، ومن أهم ما خفي عَلَى الخوارج والمعتزلة أنهم جعلوا الفسق والضلال والفجور والكفر بمعنى واحد، وهل هو كذلك في ديننا؟!
الجواب: أن الكفر معناه واحد، ولكن الضلال قد يكون كفراً وقد يكون عصياناً، والفسق قد يكون كفراً مثل فسق إبليس كما قال الله عنه: ((فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ)) [الكهف:50] وقد يكون معصية ((وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) [النور:4] أي: الذين يقذفون المحصنات.
وكذلك الظلم فتارة يطلق عَلَى الشرك، ((إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) [لقمان:13] وتارة يطلق عَلَى المعاصي التي دون الشرك: ((فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)) [فاطر:32] أي من هذه الأمة، فيطلق عَلَى من ارتكب كبيرة أنه ظالم: لأنه وضع الشيء في غير موضعه، ويطلق عَلَى الكافر ظالم: لأنه صرف العبادة لغير الله، وحقها أن تكون لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وإنما أنكرت المعتزلة والخوارج هذه الشَّفَاعَة لأنها تتناقض مع أصل مذهبهم في الإيمان وهو: أن صاحب الكبيرة كافر مخلد في النَّار ولا يقَالَ: إنه ناقص الإيمان بل ذهب إيمانه بالكلية، والذين أثبتوا الشَّفَاعَة وغلوا في إثباتها حتى خرجوا عن الصراط المستقيم: هم المُشْرِكُونَ الواقعون في الشرك الذين جعلوا عبادة غير الله شفاعة، فأخلوا بالشَّفَاعَة الشرعية الصحيحة التي سوف يأتي تفصيلها بإذن الله.
ومذهب أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ في مرتكب الكبيرة أنه في الدنيا لا يخرج من الملة وإنما يسلب عنه أسماء المدح فقط مثل التقوى والإيمان وغير ذلك، ومع ذلك يبقى له اسم الإيمان بمعنى الإسلام، ولا يخرج من الملة، وفي الآخرة يكون من أهل الشَّفَاعَة، ابتداءً من القوم الذين يغفر الله لهم أو يشفع فيهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أثناء الحساب، وانتهاءً بالجهنمين، وهم آخر من يخرج من النار، بعد أن يشفع الشفعاء كما سيأتي في حديث الشَّفَاعَة الطويل. فهذه هي الفرق والمذاهب في مسألة الشَّفَاعَة، وأما شفاعة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي ذكرها الإمام الطّّحاويّ هنا فما هي إلا فرع واحد من أنواع الشَّفَاعَة.